في لحظة


في لحظة يصبح الاسم ذاكرة مدوية في المكان، " اسمه يوسف.... يوسف 7 سنين .... 7....شعره كيرلي ....…. وأبيضاني وحلو..... " و نناديهم في الغياب " يا كمال يا كمال!"  

في لحظة  تصبح الأحاديث العائلية مشاعا يتغنى به الكثيرون
." بدي أبوسه"، "كان عايش والله"، "بدي شعرة منه.. شعرة واحدة بس قبل م تدفنوه" 
 
في لحظة يجعل الموت أجساد الشهداء، ذاكرتهم، 
و ذكرياتهم، مزاحهم جدهم و هزلهم، أمنياتهم المعلقة على حبال الانتظار محرابا يمر به الكثيرون: "كنت ناوي أعملها عيد ميلاد.." ، " أربعين سنة بشتغل عشان أبني الدار.. راحت الدار، فدا فلسطين"،"دارنا راحت وين بدنا نقعد؟!"

و لا مرة كانوا أرقاماً، فلكل منهم حكايته، أمنيته، حلمه الذي ما زال معلقاً بين السماء والأرض، و جسده ما زال غافياً تحت الركام : "يا عمـــااار.. حاسس فيني؟ مش راح أمشي قبل م تطلع من تحت الر.دم بستنى ليوم ليومين لسنة لحتى تطلع" 
"ثانية بس ثانية واحدة سبت ايدي ليش... سبتيني لمين!" 
تركتني لمن؟! عن تلك الأسئلة التي تخلقها لحظة صدمة صاخبة، ووجع حارق قاهر، نمضغه بألم و نطلق تلك الأسئلة، لتبقى معلقة برسم الألم، فلا إجابات مجدية لها.

لكلٍّ منهم بيتٌ، بيت تسكنه أحلامه، أمنياته، شجرة زرعها و ينتظر برعمها، و خزان ماء يكش عنه الطيور، حتى لا تثقبه و تسيل مياهه، و جدران تعرف رائحة عرق يديه، إذ يسند كفه إليها لحظة دخوله المنزل، بعد نهار عمل طويل، لكل منهم بيت، تحطمت أشلاؤه: " ماضلش مكان نسكن فيه....ماضلش مكان نشــرد عليه.. وين بدنا نشـرد؟
   
في لحظة تصبح الأحلام قصصاً، و تصير الذكريات نصباً تذكارية يطوف بها المتألمون،"الله بنتي عروسة استـشـهـدت، عرسها كان الجمعة الـ فاتت والله م رجعنا فستان العرس لصاحبه"

في لحظة أحرقت الحرب أمنيات كثيرة بصليات نارها: " عشرين سنة نفسه يخلف.. "
و يئز صوته وجعاً : "ياعالم جيبولي بنتي ، وين بنتي عمرها شهرين ... ما طولت قعدت شهرين وراحت! "

 هي الحرب ، لكنهم لا زالوا هناك ...

يقرأون أمنياتهم و ما تيسر من الأمل بعد جهد قاس مع القهر و الألم و الفقدان.

 







 
 
 



حتى لا ننسي ...

تعليقات