ماذا يعني ان تكوني معلمة أطفال؟ أنه اللا والشغب.......
كنت أفكر أن أقول اللا والشغف، سيكون هذا موسيقياً وجذاباً أكثر، لكن الحقيقة أن اللحظة قررت أن تكون مشاغبة معي كعهدها، وذلك حين بدأت خوض تجربة التعليم في رياض الأطفال، لم أفكر يوماً أن أكون معلمة، و بالكاد كنت أقضي بعض الساعات مع أبناء أخواتي نلعب و نتسلى ببعض الأوراق و الألوان، نصنع طائرة ورقية، لا تطير غالباً ، واقضي باقي الوقت أرمم هذه الخيبة الصغيرة، لكنني بت أدرك أنني لا أعرف الكثير عن نفسي، و إني احتاج إلى تجربة أنماط مختلفة، مرة بعد أخرى لأتمرن على الكتابة على صفحات الحياة.
توقفت بعد عام واحد عن العمل، لأجد في نفسي روحاً أخرى تشكلت خلال مسيرة التجربة التعليمية التي تواكبت مع التحاقي ببرنامج الطفولة المبكرة" طفل مبدع مستقبل مشرق".
أتذكر اللحظة التي فكرت فيها بالتقديم للالتحاق بالبرنامج في مؤسسة القطان، كان عامي الأول في تعليم رياض الأطفال، بعد تجارب تعليم في مراكز تعليمية مختلفة، ظننت آنذاك أن الطفل عالم جديد أجرب استكشافه، وبمرور الوقت عرفت أنه لا يكفي أن أشحذ نفسي بالصبر والأناة، وبطبعي الساكن، عرفت أن علي تطوير لغة ما للتواصل مع الأطفال، فأنا كنت أرتبك بوجود عدد كبير من الأطفال في الصف، وخصوصا عندما يتحلق الكثيرون حولي، فكان الأسهل لي أن اختبئ خلف القوانين حتى أشعر ببعض الراحة والقدرة على السيطرة، فأقول اجلسوا … اهدأوا … بالدور يا ابني بالدور …. لكن صوتي ليس حاداً كما أصوات المعلمات الأخريات، وربما هذه نعمة لأنني عوضت هذا بالاستماع لكثير مما يفكر به هؤلاء الأطفال وما يودون قوله لي. وما أكثر ما يحب الأطفال لآذان صاغية تستمع لأحاديثهم دون ملل.
أما الشغب الذي كان يحدث داخل الصف وكان يفترض مني السيطرة عليه، كنت أعتبره صوتهم الحر الذي لم يعرف المعايير والقواعد التي قيدتنا نحن الأكبر عمراً ودجنتنا لنكون أكثر طاعة وأقل شغبا، فالأطفال بصراخهم وشغبهم يقولون لكل شيء لا يحبونه لا، هذه اللا التي لا نستطيع أن نقولها كثيراً لكل ما لا نريد. هذه اللا التي تعتبر أداتهم في استكشاف العالم من حولهم.
فنحن بوعينا كبالغين نخاف كل ما لا نعرف، أما الأطفال فينكبون نحو ما لا يعرفون كأبطال ومغامرين، فيفتشون في صندوق قديم، وخلف الأبواب المغلقة، ووراء الصور، وفي ثقوب الجدران والساحات، يطلقون العنان لمخيلتهم وفضولهم، ويبنون منها قصصا أكثر إثارة من قصص الكبار. لذلك كانوا يندفعون لكل مشروع جديد أو نشاط درامي أبدأه معهم بقوة، وببساطة يقولون " يلا …بسرعة …بدنا نعرف.. بدنا نكمل" أسمعهم، وثانية أدرك أن كثيراً من الأشياء تحتاج أن أكون لحوحة كما هؤلاء الأطفال.
خلال صيرورة التعلم التشاركي مع مجموعة المربيات في لقاءات القطان، أصغيت لكل صوت، وتتبعت خطى كل تجربة خضناها أو شاهدناها، ليس لأني قليلة الكلام وحسب، بل لأني حاولت التعلم من كل ما يقال لأواجه خوفي، فلا أتعثر، تعلمت منكن الكثير، لكني تعثرت، فواجهت خوفي الذي وشوشني قائلا: ليس مهماً أن يكون صوتي عالياً.. لكن على الحروف والكلمات أن تكون واثقة لتكون واضحة… هذا ما مكنني من خوض تجارب ومشاريع تطبيقية تعلمتها من مشروع طفل مبدع مستقبل مشرق ونفذتها في رياض الأطفال، وأخرى نفذتها ضمن أنشطة في مخيمات صيفية، وبعضها ضمن اللقاءات الإلكترونية مع الأطفال.
ربما من المهم أن أقول إن مشاركتي في البرنامج التدريبي جعلتني أرى وأدرك ذاتي أكثر، ففي كل مرة كنت أبدا فيها مشروعاً ما، كنت أفكر في الآخر "المتلقي” وأجهد نفسي في التنويع في أدواتي وطرقي والبحث في وعن الكثير من الأشياء، بينما كان على رؤية ذاتي أيضا، والتفكير فيما يمكنها فعله وقوله، لأجل هذا الآخر المتلقي المسؤولة أنا عنه والذي يتوقع مني الكثير.
كما كان لهذا المشروع أثره على تجربتي في مبادرة نفذتها نهاية العام الماضي من خلال الإغاثة الطبية، أصغيت حينها لذاتي فكان توظيف الخيال في الكتابة والرسم أدوات لمواجهة ارتدادات الحروب النفسية على المشاركين، كما وظفت العديد من الاستراتيجيات والألعاب الدرامية التي تعلمتها وسجلتها في دفتر ملاحظاتي والتي أعود إليها في كل مرة أوشك أن أتعثر.
في النهاية أود ان أقول إنه ربما يمكننا أن نجد المعرفة والمعلومات في أماكن كثيرة، لكن لكل مكان خصوصيته التي تترك علامة خاصة في ذواتنا وهكذا كانت تجربتي مع القطان، التي وضعتها في صندوقي الخاص وبين أهم أدواتي … أتحدث عنها في العادي والمعتاد …. لأنها شكلت تجربتي التي أقدمها بشكل غير معتاد … وأسير بنورها بلا خوف.
تعليقات
إرسال تعليق