الفلسطيني و أزمة الوقت
تأخر الوقت، تدور عقارب الساعة منذ الصباح، و كأن الوقت سكين بحافة حادة، يجحر حبال حناجرنا، فما من كثير يقال، وما من شيء نفعله، غير أن نسأل الوقت ألا تمضي رجاء، ألا يمكنك أن تكون أكثر عجلة مما أنت عليه، أتعرف كم من الوجوه التي تحدق الآن في عقارب الساعة بانتظار لحظة خروج الأسيرات الفلسطينيات المزمع الإفراج عنهن ضمن الدفعة الأولى لصفقة التبادل في التاسع عشر من يناير.
أعرف الآن بماذا كان يفكر ذلك العبقري الذي سمى تلك العصي الدوارة في ساعة الحائط بالعقارب، ربما كان يعيش حالة انتظار موازية كتلك التي يعيشها الفلسطيني اليوم، ننتظر، يسير الوقت بطيئاً، يمشي تمايلاً على مهل، فهو لا يعرف كم من الأشخاص يقفون في محطات توقف مختلفة بانتظار وصوله، كم من العائلات،الأمهات، الآباء الأخوة ،الأبناء و البنات و الأحفاد الذين يقفون في محطات انتظار مختلفة، بانتظار لحظة وقت لا يدركونه، لا يعرفون متى من الممكن أن تكون تلك اللحظة.
أزمة لحظة الانتظار الطويلة التي لا نعرف متى تنقضي،منذ ساعات ما بعد الظهيرة، وهم يتنفسون لحظات ترقب للحظة قادمة، من المؤكد أنها ستكون اليوم،يجب أن تكون اليوم،حتماً ستكون اليوم، يرتب الفلسطينيون ياقاتهم، يجهزون أنفسهم بمعاطف دافئة، تقيهم برد ليل طويل، بساعاته البطيئة و الباردة، رغم أن ظهيرة هذا اليوم كانت مشمسة، لكنه الليل، و لكنه الانتظار،أفكر الآن أننا نبرد أكثر حين نفكر، و يتسلل البرد إلى عظامنا و ينخر فيها عميقاً حين نجلس ساكنين منتظرين لحظة قادمة لا ندرك متى عساها تكون،أتحدث كثيراً عن انتظار الأهل و الأصدقاء و الآباء والأمهات و الأبناء و البنات للأسيرات الفلسطينيات ، و في الزاوية الأخرى هناك انتظار آخر ، أكثر إيلاما و حرقة، انتظار حامض و نزق بطعم الليمون،انتظار تعيشه الأسيرات و الأسرى ، هل سيكون اسمها مدرجاً ضمن هذه الصفقة، هل سيكون ضمن قائمة الأسماء المفرج عنها هذا المساء،هل سيمكنها أن تجد بعض الوقت لتتقاسم الأمل مع صديقات لها في الأسر و تتمنى لهن فرجاً قريباً في صفقة ما،أيمكنها أن تجد متسعاً لتحزم أمتعتها و تنفض غبار الوقت عن فستانها،وتغسل وجهها بالورد قبل أن تخرج هذا الصباح و تتنقل بين كثير من الحافلات، و تسمع إسمها يتكرر مراراً بلكنات غريبة، و تهجئة هجينة، و تقول لنفسها: لا بأس إن تعثروا باسمي،فقد كنت و سأظل الوجود الأصعب.
يمر الوقت ساعة و ساعة و لا شيء يكسر طقوس الفرح المرتقب و السرور المكتنز في ليالي الفقد و الغياب الطويلة، هناك كثير من اللحظات التي سنعيد استرجاعها، و كثير من الوجوه سنحفظ ملامحها من جديد، و كثير من التغيير، سنصنعه و نعيشه، فلا شيء يكسر جمال لحظة الوصول، فكيف حين يكون ذلك الوصول عناقاً للحرية، و إن تأخر الوقت … نحن الوقت ، و إن طال الانتظار.. فنحن الإنتظار، و إن حل المساء فنحن في انتظار المساء، و رحالنا في مضاربه حتى شروق الشمس ، فالأسيرات شمس الليالي المقمرة ونور الصباح.
تعليقات
إرسال تعليق