"هذا مزعج! أن نجلس أنا وصديقتي أمام الخيمة ونحكي ذكرياتنا وأسرارنا وكل النازحين يسمعون ماذا نحكي، بل يضحكون على قصصنا.
عندما تأتي خالاتي الثلاث ويجلسن مع أمي نحتاج إلى غرفة ضيوف وكاتم صوت.
قبل الحرب كنا نستخدم غرفة الضيوف في النهار للضيوف، وفي الليل تصبح غرفة للتأمل والعزلة، أما في هذه الخيمة لا وقت للتأمل..
قبل الحرب كانت أمي تضع الحناء على شعرها، وتجلس في غرفة الضيوف حتى يجف لكن الآن أمي لا تخلع المنديل عن رأسها ونسيتُ لون شعرها.")
قرأت هذه الكلمات مراراً، احتفظت بها، و عدت إليها مرة بعد مرة، فهذه الأفكار ليست محض إبداع، ليست من بنات أفكار كاتب هش، يعمل جاهداً ليكتب نصه الأفلاطوني، الذي سيغير حياته، و يقلبها رأسا على عقب، و عل الأفلاك تتحالف معه مطلع هذا العام 2025، فيصبح ذاك الكاتب الفظ،لا .. بل الكاتب الفذ الذي تأخر اكتشافه إلى حين مجزرة.
(لا يوجد غرفة ضيوف في الخيمة)واحد من مجموعة نصوص كتبها أطفال في غزّة خلال سلسلة لقاءات كتابة إبداعية مع الكاتب هاني السالمي ، خلال لقاءات أدبية حرصت مؤسسة تامر على خلقها تحت نير حرب الإبادة هذه، في وسيلة بسيطة صعبة لدفع الأطفال للتعبير عن أنفسهم بصدق وعفوية وإنسانية .
أعدت قراءة النص ثانية هذا اليوم، بينما كنت أستعد للالتحاق بورشة كتابة إبداعية لمجموعة من السيدات، من مناطق مختلفة في العالم، مناطق يجمعها، و ربما يصهرها كثير من الوجع، و القهر، و الجراح التي لم تندمل، ولا زال قيحها نافر حتى الآن، قرأت النص و تأملت لحظة الحرب المفجعة التي لا تزال دائرة حتى الآن في غزة، و حالة الاجتياح المتأرجح لمناطق مختلفة في الضفة الغربية بموازاة طبول الحرب في غزة، و معادلات يصعب على أي معلم كيمياء موازنتها مهما كان فذا في العلوم و المعارف العلمية، فهذه البلاد و هذه فلسطين، لا يمكنك للحظة واحدة تخيل ما يمكن أن يحدث بعد.
خلال ورشة الكتابة التدريبية الإلكترونية، كان التفكير في لحظة الكتابة، في مكنون ما تختزنه ثقافتنا في لحظات الاحتفال و الفرح، لحظات الألم و الحزن، و كيف نعبر عن كل هذا من خلال ما نحضره من طعام، ما نخص به أنفسنا من ملابس، ما نزين به زوايا منازلنا و أماكننا، و كثير من الرسائل التي نرسلها للأهل و للأصدقاء.
" ترن الكلمات في أذني... بل في ذاكرتي... لا يوجد غرفة ضيوف في الخيمة" و بينما استعير من ذاكرتي البعيدة صورة لاحتفالات العيد و صباحاته المبكرة، تدق الكلمات في ذاكرتي فقد أعدت قراءتها للتو، كثير من الأشياء تصبح طي الذاكرة، لكنها تستيقظ فجأة و تعود لتمشي بيننا، كما لو أنها كانت في غيبوبة طويلة، لا يوجد غرفة ضيوف في الخيمة، و كنت أظن أنه لن يكون هناك خيمة ثانية، غير تلك التي شدت أوتادها في العام 1948، مروراً بكثير من الألم حتى شدت أوتاد الخيام ثانية في العام 1967.
خيام كثيرة لا زالت تمتد بامتداد الحرب و أيامها، و وجع لا ينتهي في هذا الشتاء البارد.
هنا البلاد... هنا الأرض... هنا السماء... و هنا نحن.
تعليقات
إرسال تعليق