عادي ... جميل هو ذلك العادي

عادي ... عادي... العادي، أظن أن العادي لازم المعرفة، هارب من التفاصيل، بعيد عن كل القيود، لا يصلح أن نعرف العادي فنضيف له ال التعريف، فلكل عادي شكله الخاص، مذاقه الحلو، صوته الدافئ، و طقسه الساكن الهادئ، و على أنه عادي لكن بالكاد نجده، و لا يمكننا أن نمسك به، فهو عادي، ولا أحد يشغل باله بالحديث عن العادي، و لن يلتقط أحد صورة لشيء عادي، و لن نجده بين أي ألوان رطبة تنتظر في هذا الشتاء القارس شمساً خجولة تجفف الألوان، لن تسمع عن العادي في صوت صبية لطيفة تبدأ مغامرتها الصحفية الهشة عبر برنامج صباحي، لا يحكي الكثير، غير أنه يرصف الوقت بكثير من الأغنيات، و يحكي كثيراً عن كل شيء.

العادي مهذب حد السذاجة، لن تلمحه بين الحشود، و له صوت متوازن، ليس عالياً حد الصراخ، ليس صاخباً حتى الغضب، ولا هو هش حد الصمت، هو عادي، ستسمعه لكن لن يترك فيك أي أثر، لا يرتدي قميصاً بألوان صاخبة، و لا يزين عنقه بسلسلة ذهبية لامعة، كذلك لن تسمع صوت رنين كعبه العالي، و قرقعة المفاتيح.

 جميل هو ذاك العادي حد الاختفاء، هو لا يختبئ، و لا يلعب الغميضة، فلن يكترث أحد في صيرورة البحث عنه، فهو عادي تماماً، حيث لن يثير قريحة أي شاعر لينظم قصيدة عصماء، بحرها الروتين، و وزنها العادي الذي لا يثير جدلاً في الجوار، ولا يحدث جلبة، يحظى بعدها بكثير من التصفيق، الذي يسكت بعده، و يبتسم ابتسامات بلهاء، يتفاجأ الجمهور إثرها، فلا يجد بداً من متابعة التصفيق، أكثر و أكثر، و لن يمطر النقاد قصيدته بالتحليل و التفكيك، و إعادة السبك، فالعادي ليس مثيراً، و ما من كثير ليقال عنه.

جميل هو ذاك العادي، قيمة تلك اللحظة العادية التي تمر هادئة، صامتة إلى حد أنك لن تعود لتتحدث عنها ثانية، لا يهم إن تذكرت أنه حدث يوم الأحد... الإثنين... الأربعاء، فالعادي لا يندرج ضمن سرديات متواترة، تنقلها عن أمك عن جدتك، عن أمها، عن جارتها، عن جدها، عادي هو ... لا توثقه كلمات ما، و كم هو جميل ذلك العادي الثمين الذي بالكاد نجده.

 

تعليقات