رفضت أمي أن يكتب على جسدنا أحد و أخبار أخرى من فلسطين كبرياء في ظل حرب



الأخبار ليست عن فلسطين فحسب، بل هي أخبار من فلسطين ، ومن البلاد، من روح وجعها، و بتوقيتها المحلي، و بفارق اللحظات، و الساعات بين الشتاء و الصيف، و بتوقيت فلسطين كانت لحظات الإبداع التشاركي، لحظات من الوقت نواجه فيها العجر، و الألم و قلة الحيلة، بكبرياء و ثقة و بما استطعنا من إبداع نعيد صياغة القهر بكلمات تحمل كثيراً من الذكرى و ما تبقى من حياة.


لحظة إبداع مختزل: 
قبل بضعة أيام، تلقت الكاتبة حنين أمين بعضاً من النسخ كتابها ( رفضت أمي أن يكتب على جسدنا أحد... و أخبار أخرى من فلسطين)، أما الكتاب فلحظة إبداع مختزل يكتنز في طيه على عملين شعريين للكاتبة حنين أمين و الكاتب مصطفى بن فضيل، وفي مساحة انتظار لغد لا نعرف ما قد يكون عليه، تصبح لحظة الآن بكل وجعها، لحظة قيمة نقف ضد في ظلها، و نعيد صياغة الأمان بطريقة ما، و في لحظة قيمة أخرى تصبح اللغة بوابة العبور إلى مساحات أخرى لا نتحدث فيها مع مرآتنا، و انكسار الضوء فيها، مصغين لصوت معالج نفسي هرب من فشله الأكاديمي، ليمارس سطوته كمعالج لانكسارات شخصية مريرة، يبهت أمامها فيقول تحدثوا مع مرآتكم لتكونوا أفضل! 






و بإبداع مكتنز تحتشد الصورة و اللوحات، مع الكلمات و الصور، و التعابير، التي تقدم نفسها باللغتين العربية لغة الإبداع و الوجع الأساسية، و باللغة الفرنسية نافذة أخرى نشرع زجاجها على مساحات أبعد، في قارة أخرى نتشارك معها بحراً، يعيش صيادوه وجع الموت اليومي.

لا وقت في الحرب: 
في الحرب تصبح القصيدة حكاية نرسم شخوصها، و نرفع عنها و عنا عبء الزمن القصصي، فلا وقت في الحرب، لا ساعات تطوق المعاصم، و لا جدران نعلق على ما تبقى منها ساعات مهما علا دوران عقاربها و تكاتها المتلاحقة، فلن يكون أعلى من دبيب قوافل الموت، لا وقت في الحرب.

كبرياء في ظل حرب: 

في الحرب تصبح القصيدة حكاية، ولا ترف لإضاعة الوقت في رسم ملامح الوجوه، و التدقيق في نبرة الصوت، و تشكيل مسار حكائي لصوت الشخصية، في الحرب صوت الشخصية هي القصيدة و الوجود، صوتها هو كل ما تبقى من قيدها في السجلات المدنية، تستعيد الكاتبة حنين أمين صوت أم لا زالت تمسك بحزم زمام التربية، و بكبرياء توجه أطفالها، بكبرياء لا بخوف و خذلان

(رفضت أمي أن يكتب على جسدنا أحد 
نادتنا داخل الخيمة
وبين أصابعها الجافة قلم حبر أسود كانت تحبه
و نضعه في درج المكتبة 
و بدأت بي: 
أحمد تعال )
 ترفض أن يكتب على أجسادهم أحد، تجلس في الخيمة و تناديهم واحداً بعد الآخر، تكتب على أجسادهم الاسم، العمر، فصيلة الدم و مكان السكن، واحداً تلو الآخر، حتى ولدها الصغير راشد، ثلاث سنوات، جسده غض، لا زال صغيراً، لكنه سيبقى قريباً منها، ستمسكه، لا بل سيجلس دوماً في حضنها.

( راشد ما راح يضيع عنا، 
رح يعرفوه، بيضل بحضني) 

في الحرب هناك آخرون: 
بحزم تحرص الأم على ألا يكتب على جسد أبنائها أحد، تعدهم للموت بخصوصية، و تحفظ لهم مساحتهم الخاصة حتى و هم في الغياب، يصعدون إلى السماء، لكنها تهتم إلى هؤلاء الآخرون و تحرص أن يعرفوها الآخرون فلا تتوه في غيابها عن أطفالها 
(تخافوش أنا كتبت على جسمي 
بكل مكان إني أم أحمد و راشد و هبة
و كتبت زوجة الشهيد فهمي صالح) 

صورة للعيد و أخرى للحرب: 
مر العيد في غزة مراراً دون أن يحظى كثير من الأطفال بصورة العيد، بالاجتماع معاً، الازدحام في عتمة الكاميرا عل شيئاً من الوجه و ملابس العيد يظهر في الصورة، انتشر الهواتف الذكية و صار التصوير متعة وحرفية نجربها كثيراً، لكنها غزة و صورة أخرى للحرب تحرص الأم على الاجتماع فيها، تحرص الأم على اجتماع أطفالها في مشهد غيابهم الأخير ، و تعد له كما تعدهم لصورة العيد، تجهزهم، تكتب على أجسادهم.
( سيجمعوننا معاً 
سيجمعوننا و لو كنا أشلاء) .


تعليقات