"مروح ع فلسطين"


مروح على فلسطين
تحمل مسرحية مروح على فلسطين  من إنتاج مسرح الحرية  2016 /2017 و إخراج ميكائيلا ميراندا ، بين طياتها حكايات تروي جزءا من  فلسطين ، ذلك الجزء الخافت الذي لا تلتفت إليه الروايات التاريخية والسردية، فلسطين أخرى يفتش عنها النص في حركات الممثلين، وأصواتهم، وسردهم القلق لحكاياتهم، و أفكارهم، ويرسمها روحا تمشي معهم في سيرهم القلق، فهناك فلسطين التي يتحدثون عنها، و أخرى يجدونها على الأرض، ضمن تلك المفارقة التي أوجدها الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية المحتلة ، كل فردوس البلاد المفقود.
عنوان يحمل البلاد :
تروي أحداث المسرحية قصة الشاب جاد، الفلسطيني العائد إلى فلسطين من أمريكا، و يحمل عنوان المسرحية صوت جاد وهو يقول مروح على فلسطين، وتحمل هذه الصيغة العامية من الفعل عاد أو رجع فكرة العودة إلى البيت، وهكذا ينجح العنوان بسلب صفة السائح عن جاد، رغم أنها زيارته الأولى للمكان، و هو العائد من خلال مطار تل أبيب، مستخدما الجنسية الأمريكية، و جواز السفر الأمريكي، يقضي جاد ليلة في مخيم جنين في ضيافة أحد أصدقائه، ويذهب معه في زيارة إلى الأغوار، وبيت لحم، باحثا عن ريما - صديقة أخته أمل – يكتشف جاد من خلال عائلة صديقه مالك في مخيم الدهيشة أن ريما تزوجت منذ عامين، وتسكن غزة الآن، المكان الذي أوحت الشخوص في العمل المسرحي باستحالة الوصول إليه، دون أن تضيف أي تفسيرات أو تأويلات غير تلك التي جاد بها التعبير الجسدي الانفعالي، في مسرحية يحتل فيها فن التعبير الجسدي ركنا مركزيا محوريا .
المكان وصياغة الوعي :
فلسطين هي حدث المسرحية الأبرز، إذ يبقى الحدث المسرحي محمولا باتجاه رسم صورة لفلسطين من خلال حالة التجوال التي تم ابتداعها بشكل ديناميكي، ورغم أن حالة التجوال هذه جاءت ضمن سلسة غير مدروسة من الأهداف، إلا أنها ساعدت بتسجيل صورة لأماكن الظل التي لا يحفل بها السياسي الفلسطيني،ولا تحفل بها المناهج المدرسية، كبيئة المخيمات في مخيم جنين، ومخيم الدهيشة في بيت لحم، و منطقة الأغوار الفلسطينية المحتلة ( الجفتلك)، المناطق المحاذية لجدار الضم والتوسع، والتجمعات البدوية، وقد منح النص المسرحي مساحة للمشاهد لقراءة جغرافية هذه الأماكن من خلال وعيه الخاص، و ما يرويه البسطاء، سائق التكسي، أولاد الحي، الصبية في المخيم، شاب يفتش لنفسه عن عروس، كما مر وعي الشخوص على بعض الحواجز العسكرية الإسرائيلية كحاجز الحمرا ، أما غزة والتي بدت المكان المستحيل كما جاء في الديناميكية الانفعالية لشخوص المسرحية.
الحدث وبنية الشخوص :
اعتنى العمل الأدبي المسرحي ببناء الحدث المشتت بين عدد كبير نسبيا من الأماكن الجغرافية الفلسطينية المثقلة بالكثير قياسا بالزمن المسرحي ، ضمن المساحة المسرحية المتمثلة بالرقعة البيضاء المستطيلة، والتي مثلت رقعة الانفعال المسرحي، ورقعة التأزم، وفي خضم العمل بجد نحو عكس هذه المساحة، بقيت شخصيات العمل شخصيات تقف دون التقدم والنمو صعودا كشخصيات نامية في العمل الدرامي، إذ لم نلحظ أي تغير أو اختلاف ضمن الزمن المسرحي على الشخوص، باستثناء شخصية جاد، الذي تحول من شخص لا يعرف المكان، إلى شخص يمارس الانتماء للمكان من خلال قرار الرغبة بالبقاء فيه، والذي عبر عنه في نهاية المسرحية.
لقد أدى أبطال العمل المسرحي معتز ملحيس، ورنين عودة، وأمير ابو الرب، وأسامة العزة، وإيهاب تلاحمة، وشهد سمارة أدوارا متنوعة، وشخصيات عديدة في الزمن المسرحي، حيث أدى كل واحد منهم دورا مختلفا باختلاف المكان الذي يتم الوصول إليه، كما قاموا أيضا بتوظيف الجسد لأداء الكثير من الأغراض، فالجسد كان التكسي، وكان الحافلة، و كان السلاح، والحجارة، والمفرش، والمنضدة وغير ذلك من المقتنيات.   
ازدواج الجنسية ووحدة الانتماء:
قدمت المسرحية خلال أربعين دقيقة شخصية جاد الفلسطيني العربي الأمريكي، إذ تشكلت صورة أمريكا على خشبة المسرح من خلال تمثال الحرية، ووصول جاد إلى فلسطين من خلال مطار تل أبيب في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ورغم الإحساس بالغربة الذي عبر عنه جاد،من خلال بحثه عن شخص ناطق بالعربية، بعد ما تعرض له في رحلته من تمييز بسبب أصوله العربية، نجد أنه تعامل بداية بشكل مجرد مع المكان، حيث لم يكن وعي الانتماء حاضرا لديه، وقد كان هذا الطرح موفقا، حيث لم يذكر العمل المسرحي وجود أي ذكريات يحملها هذا الشاب من خلال عائلته،كما أنه لم يلتق أيا من أقاربه، ولم يتحدث عن أي صلة خاصة تربط العائلة بشكل خاص، بيت جده، أمه، وغير ذلك.
أهمل النص المسرحي في سعيه الجاد لرسم صورة فلسطين، شخصية جاد الفلسطيني الأمريكي، وما يواجهه العربي المغترب، إضافة إلى ما يحمله من أفكار وما يصل إليه من خلال الإعلام الغربي، كما أن النص بقي حذرا من تحديد إطار زماني، حتى لا يقع النص في جدليات نقاش آليات النضال المرحلي وما آلت إليه المرحلة، وقد بقي النص على حذره خلال التطرق للحديث عن غزة.
المسرح ومساحات نقد الواقع:
لم يكن واحدا من الأهداف الرئيسة للعمل المسرحي؛ ولكن العمل المسرحي التفت إلى واقع الحياة الاجتماعية في فلسطين،بشكل ساخر وعلى لسان شخصيات من المكان ذاته، وهذه تقنية تساعد في التقليل من حدة النقد، ففي مخيم جنين يعقب محمود على هلع صديقه جاد من أصوات الرصاص: ( إحنا هون بنطخ على كل اشي، إذا حدا اتزوج، اتطلق، بس إذا اجا الجيش ما بتسمع ولا طخة).أما في مخيم الدهيشة في بيت لحم فإن النقد الساخر يأخذ شكلا آخر، إذ يصل حد الاعتياد على واقع قاس كإطلاق قنابل الغاز، ففي الوقت الذي يغمى على جاد من الغاز يقول مالك:  ( ولو مالك هاد عادي متل وجبة الفطور هون)، وتساعده أمه ببعض البصل ليسترد وعيه. وتستخدم المسرحية فن سخرية الموقف، خلال رحلة العائلة من الجفتلك إلى عقربا لتزوج ابنها، تطوف أماكن عديدة نابلس، أريحا، وتعود إلى جنين، دون أن تصل حيث ترغب،يقف جاد مذهولا ويقول: ( يعني ما تزوجوا) وهنا تظهر شخصيته الحالمة التي تهتم بالشعور وتوليه مكانة كبيرة، في الوقت الذي يجيب والد الشاب:( شوفو هاد ما زبط نجوزه من هناك، بنجوزه من هون) في إشارة إلى محاولات الفلسطيني الجاهدة لتكييف واقعه، وإحساسه، ومشاعره ليبقى صامدا، حاضرا، قادرا على البقاء والثبات، والتصدي.
موسيقى تشعل النص:
قدم نبيل الراعي و سامر أبو هنطش موسيقى فنية مصاحبة للعمل، كانت جزءا من الحدث في كثير من الأوقات، وإضافة للنص المسرحي في أوقات أخرى،حيث كانا حاضرين ومشاركين ضمن المساحة الفنية، الموسيقى الفنية خدمت الجو المسرحي، حيث كانت بديلا عن المؤثرات الصوتية الصاخبة، مما ساعد في تقليل حجم الضجيج المسرحي وحدة الصوت، لصالح بناء وتشكيل صورة فنية مسرحية واعية.
فلسطين ما بقينا:  
من فلسطين المحتلة عام 1948 إلى الضفة الغربية المحتلة عام 1967 وما تعيشه من استيطان وجدار ومصادرة أراضي، وحواجز عسكرية،إلى الإلماح إلى غزة على مسافة من المستحيل بما تعيشه من حصار الاحتلال الإسرائيلي، والسيطرة المصرية، في إطار ما يفرضه الانقسام وحكم حركة حماس للمكان، ورغم أن جاد كان قادرا على الوصول إلى هذا المكان، ولكن النص المسرحي وشخوصه عرض الفكرة من زاوية انتماء الشخوص لواقع المكان الأكبر فلسطين،على أن النص لم يلتفت إلى القدس، حيث لم يفكر جاد بزيارة هذا المكان الجامع للكثير من القوميات، والأعراق والطوائف و الهويات الدينية.  

  




تعليقات

المشاركات الشائعة