حيونة الإنسان

لم تكن القراءة فعلا سهلا، أن تقرأ وتفكر وتستحضر الكثير من الصور والزوايا والكتب والقراءات مع الكاتب، لكنها دائما الفعل الممكن والقادر على استفزاز الكامن فيك.

حيونة الإنسان هو كتاب فلسفي فكري نقدي للكاتب ممدوح عدوان ، وقد صدر بطبعته الأولى عام 2003، ثم أعادت زوجته طباعته في العام 2007 وفاء له من خلال  دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع
ولد الكاتب والشاعر المسرحي السوري (ممدوح عدوان) في قرية قيرون محافظة حماة السورية عام 1941. تخرج في جامعة دمشق كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية عام 1966، وقد كان قبل هذا يعمل في جريدة الثورة منذ عام 1964 كما بدأ في ذلك الوقت بنشر شعره في العديد من المجلات العربية، ثم كتب عددا من النصوص التلفزيونية من بينها (الزير سالم) و(دائرة النار)، كذلك كتب العديد من المسرحيات الشعرية مثل: (محاكمة الرجل الذي لم يحارب) عام 1970، إلى جانب رواية (أعدائي). وقد كان ممدوح عضواً في اتحاد الكتاب العرب واتحاد الصحافيين العرب والسوريين وعضو جمعية الشعر في اتحاد الكتاب. في عام 2004 توفى ممدوح عن عمر يناهز 63 عاماً.
يتناول الكتاب في صفحاته ال 224 موضوعات بطريقة أدبية أكثر منها فكرية، عن طريق مناقشة فكرة ما، ثم سرد اقتباسات من روايات مصنفة ضمن أدب السجون كنماذج ودلالات على الفكرة المقدمة، كما أن الكتاب استند إلى التاريخ المعرفي والنضالي لتجارب نضال الشعوب كنماذج أيضا لممارسة القمع، والعنف من المحتل،ومن الأشخاص المحتلين(الواقع عليهم الاحتلال ضد مجتمعاتهم ذاتها)  وقد ,جاءت  مواضيع الكتاب عديدة موزعة على 20 فصلًا، بدءًا من الحديث عن الإنسان الأعزل مرورًا بدور الضحايا في المجتمعات المقموعة، وأثر القمع على الجلاد والضحية على حد سواء ويُناقش كيفيّة نُشوء “الجلاد” كإحدى أدوات السلطة والحكم، وكيف يُولّد استبداد الحاكم مضطهدين مستبدين على بعضهم البعض.
العنف واحد من المسميات التي لا تأخذ زينتها تماما، إلا إذا توافر في الشخص المعنف تلك القوة والسطوة التي يمارس من خلالها عنفه، واستقبل فيها الشخص المعنف(الذي يقع عليه العنف) حالة العنف بخنوع وخضوع، إذ يتلقى العنف دون القدرة على رده، أو رفضه، أو الاعتراض عليه،وإن اعتاد السلطوي على ممارسة العنف يخلق في الشخص المعنف من استمرار تعنيفه إنسانا متقبلا للعنف راضخا له،معتادا عليه إلى درجة لا يكاد يدرك فيها ماهية العنف الواقع عليه،إن الكاتب يقدم هذا التحول في روح الإنسان التي تحاول الرقي بنفسها إلى شخص يمارس العنف والقمع  تماما كما هو سائد في شريعة الغاب، الأمر الذي يجعل الإنسان حيوانا يسارع في ممارسة السطوة ليكون حيوانا مفترسا، بدلا من أن يكون فريسة يمارس عليها العنف.
يقدم الكاتب نماذج عديدة من أنماط العنف والقمع في المجتمع،العنف الممارس خلال الفعل الكفاحي النضالي، هذا العنف الذي تمارسه قوى النضال والمقاومة خلال بحثها عن الحرية ضد ذاتها والقائمين فيها، كنضال قوى العمل الوطني الفلسطيني في بيروت وما آلت إليه خلال الحرب الأهلية اللبنانية، والحرب الإسرائيلية، إضافة إلى التعذيب الممنهج في السجون، والذي بات جزءا اعتياديا من السجن لا تصنف كحالة من التعذيب أو العنف، حيث انتهج عليه.
كما يورد الكاتب عددا من الروايات والأعمال الأدبية التي تناقش صورة العنف في المجتمع، وفي الواقع بشكل سلس، إذ لا يستند إلى الرواية التاريخية المباشرة التي يقدم من خلالها رأيه، ولكنه يعتمد على دراسة الأدب وتصويره لعنف الإنسان، وهو ما دلل عليه الكاتب بمصطلح الحيونة، ككلمة منحوتة تدل على خروج الإنسان عن فطرته،وكذلك فإن الفنون بكافة أشكالها سيما السنمائية وصناعة الأفلام قدمت أنماطا متعددة من ممارسة العنف، وقدمت الشخصية التي تمارس العنف كشخصية تحظى  بالقوة والمنعة والاحترام،ناهيك عن أن استقبال هذا العنف من المتلقين يكون متفاوتا بين الخضوع والرفض في السياق الدرامي .
ويعرض الكتاب في زوايا أخرى نماذج لممارسة الإنسان العنف تحت طائلة الدين بدءا بما كان يمارس في أوروبا خلال القرون الوسطى من قمع وترهيب باسم الديانة المسيحية، وصولا إلى  بحملات التبشير.
 لا أحاول حقيقة تلخيص كتاب كهذا، لأني لا أثق تماما بأن لي تلك القدرة على جمع أوصال الأفكار كافة التي دارت عجلة الكتاب في رحاها،كما أنني أعتقد أن الكاتب ترك الكتاب قبل رحيله كآخر كلمة يود أن يقولها بعد سجاله مع الحياة، وخوضه غمار هذه التجربة،ولكل منا من كل قارئ ربما استفزه في البدء عنوان الكتاب، واستشاط غضبا، وراح يفند تلك النظريات التي ترد أصل الإنسان إلى حيوان( أؤكد ما وضحه الكاتب في مقدمته حول الكتاب واشتقاقه الكلمة لتعبر عن  حالة نافرة من السطوة التي تمارس في المجتمعات)، أن يبني رأيا خاصا حول العديد من الأفكار والآراء، و أن يستشعر تلك السطوة أو الحيونة التي تمارس على الشعوب كاحتلال إسرائيلي، أو إدعاء فتوحات وتحرير كذلك الذي تمارسه دول التحالف في اليمن، أو ربما ستوة تغييب الهوية الذاتية والوطنية كتلك التي تمارس في الشام على بعد أربعة عشر عاما من طباعة الكتاب بنسخته الأولى، وعشرة أعوام من إعادة طباعته بنسخته الثانية.


تعليقات

المشاركات الشائعة