مسرحية خولة....... نص بلا صوت لواقع مكبوت

مسرحية خولة....... نص بلا صوت لواقع مكبوت
قدم مسرح الحرية في إحيائه ليوم المرأة العالمي خلال الاحتفالية التي أقامها عرضا مسرحيا بعنوان ( خولة)، وهو من إنتاج مسرح الحرية للعام 2017  وأداء وإخراج علاء شحادة حيث يحاول النص المسرحي محاكاة واقع الكثير من  النساء الفلسطينيات، إذ تحاول الشخصية أن توحي دون الإفصاح تماما ببعض القضايا كالتحرش الجنسي إلى المشاكل العاطفية، والخوف الذي يكبل حقها بالحلم،حيث كان الإيحاء بالحقائق صيغة الإبداع المبتكرة في النص المسرحي الذي لم يعتمد كثيرا على الحوار بالقدر الذي اعتمد فيه على صياغة المشهد، والصورة، والتعبير بملامح المشهد.  

 أبطال من خشب :
للوهلة الأولى وخلال قراءة تعريف مقتضب حول مسرحية خولة، لك أن تعتقد أنها من تلك المسرحيات ذات البطولة المنفردة،والتي تتجسد من خلال شخصية خولة التي يقدمها شحادة، ولك أن تسرح في خيالك أكثر من ذلك وتتصور بود أنها ترتكز على المونولوج الداخلي العميق في هيكلة الشخصيات، وقد كان هذا حاضرا ولكن من خلال أبطال من خشب، من قماش، من أي شيء شئت،وقد أدى كل شيء من هذه الأشياء دوره بصمت تام، ودون مشاركة حوارية من خولة،فلقد كان السرير واحد من هذه الأبطال يتربع وسط المساحة المسرحية، مثقلا بثياب ليلة جنسية وإن لم تكن حافلة بالرضى، هكذا أوحت ملامح خولة وإن لم تقل، كذلك كان صح الفاكهة الزجاجي المكتنز تحت السرير موحيا بحالة ود لم تكتمل،الطاولة بأشيائها الكثيرة المبعثرة،والمناديل الورقية الملقاة بعبثية على الأرض، والمذياع، إضافة إلى الصورة الأقوى التي بقيت ثابتة طيلة العرض المسرحي، وهي ملابس زوج خولة الداخلية التي بقيت معلقة ومبتلة على حبل الغسيل، كل هؤلاء كانوا أبطال من خشب مشاركين في صياغة واقع الشخصية الرئيس التي تحمل عنوان المسرحية،وتحاول هذه الأشياء تشكيل صورة لرجل ليس استثناء في مجتمع ليس مثاليا.
ما تقول الأشياء:
لم تقل خولة ، لكن الأشياء قالت عنها ربما لأن المجتمع لم يصنع منها كائنا قادرا على مواجهة قاهره،أو أنه أعدها بصورة المقهور الذي يعتاد قهره لدرجة لا يقوى معها على إيقاف حالة القهر، وربما يمتعه القهر أحيانا، خولة متزوجة وهي الزوجة الثانية، هي لم تقل ذلك خوفا أو اعتيادا،وربما تركت لجمهور يسمعها تقدير ذلك حين قالت أن زوجها يستخدم وسيلة ما لمنع حدوث الحمل( لا أعتقد أن النص استخدم الوسيلة الصحيحة حين قالت الحبوب) ، موحية أنه تزوجها رفاهية أو كمن يشتري بعض الأواني الجديدة ليضيفها لمطبخه القديم ،وإرضاء لشبق جنسي يفتش عنه في صبية صغيرة يكبرها عشرون عاما،هذا ماهمست به خولة دون الحديث،حين تحدثت عن عمره، عن زواجها بها، الزواج الذي لم تستشار به، ناهيك عن اهتمامها بعصر ثيابه الداخلية حتى يقطر الماء منها، لتجف قبل وصوله، وفرده باتساعه في وقت آخر، إضافة إلى اهتمامها بتنظيف حذائه.
أيديلوجية القهر:

رسمت المسرحية أيدلوجية القهر من خلال هذه الشخصية،لك أن تقرأ معالمها بصمت وترى فيها ما ترى، لكنها ورغم اشتغالها كل الوقت المسرحي بالترتيب والتنظيف،إلا أنها لا تقول حقيقة أن هذا هو جوهر القهر،ليس القهر أن تجلي الصحون، وترتب سريرك، وتمسح الأرضية، وتنثر العطر في المكان،فتلك تفاصيل يومية لا تكاد تنتهك بضع ساعات من عمر النهار، لكنه انتهاك الحق في الحياة التي يمكن لها أن تجعل من هذه الساعات سجنا انفراديا مؤبدا بحكم المجتمع، وبحكم ثقافة الرضوخ للأمر الراهن، التي لك أن تتشارع وذاتك أي منهما أورثها للآخر السياسي الفلسطيني الذي استخدمها في إدارة صراعه حتى صارت نهجا يوميا لشعبه، أم أنه الشعب الذي مارسها بحزم كنهج حياة يومي حتى أورثها للسياسي الفلسطيني، وأي يكن رأيك فقد خلق هذا أيدلوحية قهر ضاربة الجذور في المجتمع.
مجتمع ووعي مضطرب :

عرضت المسرحية من خلال صوت إذاعي للعديد مما يقال عن وعي المجتمع الفلسطيني وصوره، وإيمانه،بين صوت متحدث باسم مؤسسات الدفاع عن حقوق المرأة، الذي بدأ بقراءة ما تيسر لديه من دفاتر الإنشاء دون اتصال بالواقع،أو قدرة على التواصل مع مقدم البرنامج وأسلته، تكرر الأمر في حديث صبية لم تكن تروي في نضالها أكثر من سجال ساذج مع رجل عابث لم يدرك معنى الحب، ولا هي أدركت تلك القيمة السامية لنفسها، لتخرج بسؤالها الجوهري الخاص:( أتمنى أن أعرف كيف تحتمله تلك الأخرى التي يحبها الآن)، هذه كانت كل حربها الضروس، وكل سجالها العميق، وربما هذا العبث الذي بدا في صوره المجتمع هو الذي دفع خولة لامساك زمام المبادرة والحديث إلى الإذاعة عن ذاتها،رغم أن الحديث كتم في آخره، حيث أوحي بوصول شخصية القاهر – الرجل-.
غزة الحصار والانقسام ووجع الأحكام المطلقة:

هل تغير وعي المجتمع حقا، وهل صرنا نقيم واقعنا بمكاييل متعددة، غزة وفي يوم المرأة تعيش قهرها الخاص، حيث منعت السلطات هناك العطلة وقيدتها، غزة التي تعيش تنوعا في مجتمعها لا يختلف عن هذا الذي نجده في الضفة، ولكنها تقع تحت حصار عسكري خانق، وتحكم سياسي مختلف فرضه الانقسام،لقد صور أحد المتحدثين عبر واحد من الاتصالات غزة بالمرأة، وتحدث عما فيها من غرور وجنوح،هذه هي الصورة التي عكستها المسرحية عن وعي الضفة بغزة،التي تعيش انقساما كان من الممكن كبح جماحه، والحد منه  لو ارتأت السياسات ذلك دون صخب، تماما كما تم كبح جماح حالة الفلتان الأمني التي عاشتها الضفة الغربية في سنوات سابقة،وإن كان للإرادات السياسية في غزة، في الضفة، في قطر في مصر، في تركيا وفي أي بلد يهاجر إليه ألمنا مفتشا عن حل ما أن ترى ما ترى، وتعي ما تعي، أتساءل دوما عن ذلك الوعي الذي تحاول ثقافة الآن صياغته، اعتدت في اللغة فيما مضى أن أقول فلسطين واستخدم بود ذلك التشبيه المطروق مرارا،فأقول أنها السيدة والجميلة والأنثى، ويصعقني اليوم أكثر ما يذهلني حقيقة أنها لم تعد فلسطين في وعينا، صارت غزة المرأة الجانحة، وامرأة أخرى حالمة رغم كل التكبيل والتقييد والمصادرة  في الضفة، وأخرى مقيدة مكبلة مسلوبة في الأراضي المحتلة عام 1948، ورابعة في الملفات المنسية ضمن قضايا الحل النهائي في القدس، وربما أجنح أنا أيضا ببركة تلك الصورة التي قدمتها المسرحية، فأقول أن هناك فلسطين أيضا امرأة مقطعة الأوصال بين كل المخيمات ودول الشتات، وبجسد كل فلسطيني غرق هاربا في البحر بحثا عن واقع أجمل لن يجده.
  



تعليقات

المشاركات الشائعة